العلـــــم

كتب : محمد أبو القاسم 

 أوَّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]، وهي أول صيحة تسمو بقدر القلم، وتنوِّه بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الأُمِّيَّة الغافلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يتعلَّم.

وبقدر ذكاء الشخص واستنارته واستقامة فطرته يكون رسوخ قدمه في الإسلام، وهيهات أن يسبق في هذا الدين بليدُ الرأي، سقيم الوجدان!

والمعرفة الجيدة أسبق عند الله من العمل المضطرب، ومن العبادة الجافَّة المشوبة بالجهل والقصور، والعلم الذي يقبل عليه المسلم ليس مُعيَّنًا محدود البداية والنهاية؛ لذا فمن الخطأ أن نظنَّ العلم المحمود هو دراسة الفقه والتفسير وما شابه ذلك فحسب، فإن علوم الكون والحياة ونتائج البحث المتواصل في ملكوت السماء والأرض لا تقلُّ خطرًا عن علوم الدين المحضة. والحاجز رقيق جدًّا بين ما هو دين محض وما هو دنيا محضة، والمرجع إلى ذلك سلامة القصد ونبل الغاية.

وارتفع الإسلام بمنازل العلماء، وقدَّر جهودهم، وكرَّم ثمارهم إلى حدٍّ بعيد، وسما الله بدرجات العلماء حتى قرنهم بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

كما حثَّ الإسلام على تعلُّم اللغات الأخرى، وقد سبق رسول الله إلى الانتفاع بهذا العلم، فأمر كاتبه زيد بن ثابت بإجادة السريانيَّة؛ إذ إن فهم لغات الشعوب يُعَدُّ من ضرورات الإسلام، وذلك لنقل تعاليمه إلى أمم الأرض بالألسنة التي يفهمونها.

ولأن العلم أيضًا ليس له وطن خاصٌّ، ولا ينفرد به جيل بعينه، بل إن مصادر المعرفة متباينة المنابع شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وقديمًا وحديثًا – وجب على المسلم أن يرتاد أماكن العلم لنيله من أي يدٍ ومن أي بلدٍ؛ “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ“.

إن التعلُّم والتعليم رُوح الإسلام، لا بقاء لجوهره ولا كفالة لمستقبله إلاَّ بهما، قال : “الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ، وَلاَ خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ“.